سورة طه - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (طه)


        


وفي {طه} قراءات. قرأ ابن كثير، وابن عامر: {طَهَ} بفتح الطاء والهاء. وقرأ حمزة، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم: بكسر الطاء والهاء. وقرأ نافع: {طه} بين الفتح والكسر، وهو إِلى الفتح أقرب؛ كذلك قال خلف عن المسيّبي. وقرأ أبو عمرو: بفتح الطاء وكسر الهاء، وروى عنه عباس مثل حمزة. وقرأ ابن مسعود، وأبو رزين العقيلي، وسعيد بن المسيب، وأبو العالية: بكسر الطاء وفتح الهاء. وقرأ الحسن: {طَهْ} بفتح الطاء وسكون الهاء. وقرأ الضحاك، ومورِّق: {طِهْ} بكسر الطاء وسكون الهاء.
واختلفوا في معناها على أربعة أقوال.
أحدها: أن معناها: يا رجل، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال الحسن، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وعطاء، وعكرمة؛ واختلف هؤلاء بأيِّ لغة هي، على أربعة أقوال.
أحدها: بالنبطيّة، رواه عكرمة عن ابن عباس، وبه قال سعيد بن جبير في رواية، والضحاك.
والثاني: بلسان عكّ، رواه أبو صالح عن ابن عباس.
والثالث: بالسريانية، قاله عكرمة في رواية، وسعيد بن جبير في رواية، وقتادة.
والرابع: بالحبشية، قاله عكرمة في رواية. قال ابن الأنباري: ولغة قريش وافقت هذه اللغة في المعنى.
والثاني: أنها حروف من أسماء. ثم فيها قولان:
أحدهما: أنها من أسماء الله تعالى. ثم فيها قولان:
أحدهما: أن الطاء من اللطيف، والهاء من الهادي، قاله ابن مسعود، وأبو العالية.
والثاني: أن الطاء افتتاح اسمه طاهر وطيِّب والهاء افتتاح اسمه هادي قاله سعيد بن جبير. والقول الثاني: أنها من غير أسماء الله تعالى. ثم فيه ثلاثة أقوال.
أحدها: أن الطاء من طابة، وهي مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والهاء من مكة، حكاه أبو سليمان الدمشقي. والثاني: أن الطاء: طرب أهل الجنة، والهاء: هوان أهل النار.
والثالث: أن الطاء في حساب الجُمل تسعة، والهاء خمسة، فتكون أربعة عشر. فالمعنى: يا أيها البدر ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى، حكى القولين الثعلبي.
والثالث: أنه قَسَم أقسم الله به، وهو من أسمائه، رواه عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس.
وقد شرحنا معنى كونه اسماً في فاتحة مريم. وقال القرظي: أقسم الله بطَوْله وهدايته؛ وهذا القول قريب المعنى من الذي قبله.
والرابع: أن معناه: طأِ الأرض بقدميك، قاله مقاتل بن حيان. ومعنى قوله: {لتشقى}: لتتعب وتبلغ من الجهد ما قد بلغتَ، وذلك أنه اجتهد في العبادة وبالغ، حتى إِنه كان يراوح بين قدميه لطول القيام، فأُمر بالتخفيف.
قوله تعالى: {إِلاّ تَذْكِرَةً} قال الأخفش: هو بدل من قوله: {لتشقى} ما أنزلناه إِلا تذكرةً، أي: عظةً.
قوله تعالى: {تنزيلاً} قال الزجاج: المعنى: أنزلناه تنزيلاً، و{العُلى} جمع العُلَيا، تقول: سماء عُلْيا، وسماوات عُلَى، مثل الكُبرى، والكُبَر. فأما {الثرى} فهو التراب النديّ. والمفسرون يقولون: أراد الثرى الذي تحت الأرض السابعة.
قوله تعالى: {وإِن تجهر بالقول} أي: ترفع صوتك {فإنه يعلم السِّرَّ} والمعنى: لا تجهد نفسك برفع الصوت، فإن الله يعلم السرّ. وفي المراد ب {السِّرَّ وأخفى} خمسة أقوال.
أحدها: أن السرّ: ما أسره الإِنسان في نفسه، وأخفى: ما لم يكن بَعْدُ وسيكون، رواه جماعة عن ابن عباس، وبه قال الضحاك.
والثاني: أن السرّ: ما حدَّثتَ به نفسك، وأخفى: ما لم تلفظ به، قاله سعيد بن جبير.
والثالث: أن السرّ: العمل الذي يُسِرُّه الإِنسان من الناس، وأخفى منه: الوسوسةُ، قاله مجاهد.
والرابع: أن معنى الكلام: يعلم إِسرار عباده، وقد أخفى سرَّه عنهم فلا يُعْلَم، قاله زيد بن أسلم، وابنه.
والخامس: يعلم ما أسرَّه الإِنسان إِلى غيره، وما أخفاه في نفسه، قاله الفراء.
قوله تعالى: {له الأسماء الحسنى} قد شرحناه في [الأعراف: 180].


قوله تعالى: {وهل أتاكَ حديث موسى} هذا استفهام تقرير، ومعناه: قد أتاك. قال ابن الأنباري: وهذا معروف عند اللغويين أن تأتي {هل} معبرة عن قد، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أفصح العرب: «اللهم هل بلَّغتُ» يريد: قد بلَّغت.
قال وهب بن منبِّه: استأذن موسى شعيباً عليهما السلام في الرجوع إِلى والدته، فأذن له، فخرج بأهله، فوُلد له في الطريق في ليلة شاتية، فقدح فلم يُور الزِّناد، فبينا هو في مزاولة ذلك، أبصر ناراً من بعيد عن يسار الطريق؛ وقد ذكرنا هذا الحديث بطوله في كتاب الحدائق فكرهنا إِطالة التفسير بالقصص، لأن غرضنا الاقتصار على التفسير ليسهل حفظه. قال المفسرون: رأى نوراً، ولكن أخبر بما كان في ظن موسى. {فقال لأهله} يعنى: امرأته {امكثوا} اي: أقيموا مكانكم. وقرأ حمزة: {لأَهْلِهُ امْكُثُوا} بضم الهاء هاهنا وفي [القصص: 29]. {إِنِّي آنستُ ناراً} قال الفراء: إِني وجدت، يقال: هل آنستَ أحداً، أي: وجدتَ؟ وقال ابن قتيبة: {آنستُ} بمعنى أبصرتُ. فأما القَبَس، فقال الزجاج: هو ما أخذته من النار في رأس عود أو في رأس فتيلة.
قوله تعالى: {أو أَجِدُ على النّار هدىً} قال الفراء: أراد: هادياً، فذكره بلفظ المصدر. قال ابن الأنباري: يجوز أن تكون {على} هاهنا بمعنى عند، وبمعنى مع، وبمعنى الباء. وذكر أهل التفسير أنه كان قد ضَلَّ الطريق، فعلم أن النار لا تخلو من مُوقِد. وحكى الزجاج: أنه ضل عن الماء، فرجا أن يجد من يهديه الطريق أو يدلّه على الماء.
قوله تعالى: {فلما أتاها} يعني: النار {نودي يا موسى إِنّي أنا ربُّك} إِنما كرَّر الكناية، لتوكيد الدلالة وتحقيق المعرفة وإِزالة الشبهة، ومثله {إِنّي أنا النذير المبين} [الحجر: 89]. قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وأبو جعفر: {أَنِّيَ} بفتح الألف والياء. وقرأ نافع، وعاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: {إِنِّي} بكسر الألف، إِلا أن نافعاً فتح الياء. قال الزجاج: من قرأ: {أَنِّي أنا} بالفتح، فالمعنى: نودي بأني أنا ربك، ومن قرأ بالكسر، فالمعنى: نودي يا موسى، فقال الله: إِنِّي أنا ربُّك.
قوله تعالى: {فاخلع نعليكَ} في سبب أمره بخلعهما قولان:
أحدهما: أنهما كانا من جلدِ حمارٍ ميت، رواه ابن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبه قال علي ابن أبي طالب كرم الله وجهه، وعكرمة.
والثاني: أنهما كانا من جلد بقرة ذُكِّيتْ، ولكنه أُمر بخلعهما ليباشر تراب الأرض المقدسة، فتناله بركتها، قاله الحسن، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وقتادة.
قوله تعالى: {إِنَّكَ بالواد المقدَّس} فيه قولان قد ذكرناهما في [المائدة: 21] عند قوله: {الأرضَ المقدسةَ}.
قوله تعالى: {طُوى} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو: {طُوى وأنا} غير مُجْراة.
وقرأ عاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: {طُوىً} مُجْراة؛ وكلُّهم ضم الطاء. وقرأ الحسن، وأبو حيوة: {طِوىً} بكسر الطاء مع التنوين. وقرأ عليّ بن نصر عن أبي عمرو: {طِوى} بكسر الطاء من غير تنوين. قال الزجاج: في {طُوى} أربعة أوجه. طُوى، بضم أوَّله من غير تنوين وبتنوين. فمن نوَّنه، فهو اسم للوادي. وهو مذكَّر سمي بمذكَّر على فُعَلٍ نحو حُطَمٍ وصُرَدٍ، ومن لم ينوِّنه ترك صرفه من جهتين.
إِحداهما: أن يكون معدولاً عن طاوٍ، فيصير مثل عُمَرَ المعدول عن عامر، فلا ينصرف كما لا ينصرف عُمَر.
والجهة الثانية: أن يكون اسماً للبقعة، كقوله: {في البقعة المباركة} [القصص: 30]، وإِذا كُسِر ونوِّن فهو مثل مِعىً. والمعنى: المقدَّس مَرَّة بعد مَرَّة، كما قال عدي بن زيد:
أَعاذِلَ إِنَّ اللَّومَ في غَيْرِ كُنْهِهِ *** عليَّ طوىً مِن غَيِّك المُتَردِّد
أي: اللوم المكرَّر عليَّ؛ ومن لم ينوِّن جعله اسماً للبقعة.
وللمفسرين في معنى {طوىً} ثلاثة أقوال.
أحدها: أنه اسم الوادي، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس.
والثاني: أن معنى {طوى}: طأِ الوادي، رواه عكرمة عن ابن عباس، وعن مجاهد كالقولين.
والثالث: أنه قدِّس مرتين، قاله الحسن، وقتادة.
قوله تعالى: {وأنا اخترتُك} أي: اصطفيتُك. وقرأ حمزة، والمفضل: {وأنَّا} بالنون المشددة {اخترناكَ} بألف. {فاستمع لِما يوحى} أي: للذي يوحى. قال ابن الأنباري: الاستماع هاهنا محمول على الإِنصات، المعنى: فأنصت لوحيي، والوحي هاهنا قوله: {إِنني أنا الله لا إِله إِلا أنا فاعبدني} أي: وحِّدني، {وأقم الصلاة لِذِكْرِي} فيه قولان:
أحدهما: أقم الصلاة متى ذكرتَ أن عليكَ صلاةً، سواء كنتَ في وقتها أو لم تكن، هذا قول الأكثرين. وروى أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من نسي صلاة فليصلها إِذا ذكرها، لا كفارة لها غير ذلك»، وقرأ: {أَقِم الصَّلاة لذِكْرِي}. والثاني: أقم الصلاة لتَذْكُرَني فيها، قاله مجاهد. وقيل: إِن الكلام مردود على قوله: {فاستمع}، فيكون المعنى: فاستمع لما يوحى، واستمع لذِكْري. وقرأ ابن مسعود، وأُبيُّ بن كعب، وابن السميفع: {وأقم الصلاة للذِّكْرى} بلامين وتشديد الذال.
قوله تعالى: {أكادُ أخفيها} أكثر القراء على ضم الألف.
ثم في معنى الكلام ثلاثة أقوال.
أحدها: أكاد أخفيها من نفسي، قاله ابن عباس، وسعيد بن جبير، ومجاهد في آخرين. وقرأ ابن مسعود، وأُبيّ بن كعب، ومحمد بن عليّ: أكاد أخفيها من نفسي، قال الفراء: المعنى: فكيف أُظهركم عليها؟! قال المبرِّد: وهذا على عادة العرب، فإنهم يقولون إِذا بالغوا في كتمان الشيء: كتمتُه حتى مِنْ نَفْسي، أي: لم أُطلع عليه أحداً.
والثاني: أن الكلام تم عند قوله: {أكاد}، وبعده مضمر تقديره: أكاد آتي بها، والابتداء: أخفيها، قال ضابئ البرجمي:
هَمَمْتُ ولَم أَفْعَلْ وكِدْتُ ولَيْتَنِي *** تَرَكْتُ على عُثْمانَ تَبْكِي حَلاَئِلُهْ
أراد: كدتُ أفعل.
والثالث: أن معنى {أكاد}: أريد، قال الشاعر:
كادَتْ وكِدْتُ وَتِلْكَ خَيْرُ إِرَادَةٍ *** لَوْ عَادَ مِنْ لَهْو الصَّبابَة مَا مَضَى
معناه: أرادت وأردتُ، ذكرهما ابن الأنباري.
فإن قيل: فما فائدة هذا الإِخفاء الشديد؟
فالجواب: أنه للتحذير والتخويف، ومن لم يعلم متى يهجم عليه عدوُّه كان أشد حذراً. وقرأ سعيد بن جبير، وعروة ابن الزبير، وأبو رجاء العطاردي، وحميد بن قيس، {أَخفيها} بفتح الألف. قال الزجاج: ومعناه: أكاد أظهرها، قال امرؤ القيس:
فإنْ تَدفِنُوا الدَّاءَ لا نَخْفِهِ *** وإِنْ تَبْعَثُوا الحَرْبَ لا نَقْعُدِ
أي: إِن تدفنوا الداء لا نُظهره. قال: وهذه القراءة أَبْيَن في المعنى، لأن معنى أكاد أُظهرها: قد أخفيتُها وكدت أُظهرها. {لتُجزى كُلُّ نَفْسٍ بما تسعى} أي: بما تعمل. و{لتُجزى} متعلق بقوله: {إِن الساعة آتية} لتجزى، ويجوز أن يكون على {أقم الصلاة لذكري} لتجزى.
قوله تعالى: {فلا يصدَّنَّك عنها} أي: عن الإِيمان بها {من لا يؤمِنُ بها} أي: من لا يُؤمِن بكونها؛ والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم خطاب لجميع أُمَّته، {واتَّبَعَ هواه} أي: مُراده وخالف أمر الله عز وجل، {فتردى} أي: فتَهلِك؛ قال الزجاج: يقال: رَدِي يَرْدَى: إِذا هلك.


قوله تعالى: {وما تلك بيمينكَ} قال الزجاج: {تلك} اسم مبهم يجري مجرى {التي}، والمعنى ما التي بيمينك؟
قوله تعالى: {أتوكَّأُ عليها} التوكُّؤُ: التحامل على الشيء {وأَهُشُّ بها} قال الفراء: أضرب بها الشجر اليابس ليسقط ورقه فترعاه غنمي؛ قال الزجاج: واشتقاقه من أنّي أُحيل الشيء إِلى الهشاشة والإِمكان. والمآرب: الحاجات، واحدها: مَأْرُبَة، ومَأْرَبَة. وروى قتيبة، وورش: {مآرب} بامالة الهمزة.
فإن قيل: ما الفائدة في سؤال الله تعالى له: {وما تلك بيمينك} وهو يعلم؟ فعنه جوابان.
أحدهما: أن لفظه لفظ الاستفهام، ومجراه مجرى السؤال، ليجيب المخاطَب بالإِقرار به، فتثبت عليه الحجة باعترافه فلا يمكنه الجحد، ومثله في الكلام أن تقول لمن تخاطبه وعندك ماء: ما هذا؟ فيقول: ماءٌ، فتضع عليه شيئاً من الصبغ، فإن قال: لم يزل هكذا، قلت له: ألست قد اعترفت بأنه ماء؟ فتثبت عليه الحجة، هذا قول الزجاج: فعلى هذا تكون الفائدة أنه قرَّر موسى أنها عصاً لمّا أراد أن يريَه من قدرته في انقلابها حيَّة، فوقع المُعْجِز بها بعد التثبت في أمرها.
والثاني: أنه لما اطَّلع الله تعالى على ما في قلب موسى من الهيبة والإِجلال حين التكليم، أراد أن يؤانسه ويخفف عنه ثِقَل ما كان فيه من الخوف، فأجرى هذا الكلام للاستئناس، حكاه أبو سليمان الدمشقي.
فإن قيل: قد كان يكفي في الجواب أن يقول: {هي عصاي}، فما الفائدة في قوله: {أتوكَّأُ عليها} إِلى آخر الكلام، وإِنما يُشرح هذا لمن لا يعلم فوائدها؟ فعنه ثلاثة أجوبة.
أحدها: أنه أجاب بقوله: {هي عصاي}، فقيل له: ما تصنع بها؟ فذكر باقي الكلام جواباً عن سؤال ثانٍ، قاله ابن عباس، ووهب.
والثاني: أنه إِنما أظهر فوائدها، وبيَّن حاجته إِليها، خوفاً من أن يأمره بإلقائها كالنعلين، قاله سعيد ابن جبير.
والثالث: أنه بيَّن منافعها لئلا يكون عابثاً بحملها، قاله الماوردي.
فإن قيل: فلم اقتصر على ذِكْر بعض منافعها ولم يُطِل الشرح؟ فعنه ثلاثة أجوبة.
أحدها: أنه كره أن يشتغل عن كلام الله بتعداد منافعها.
والثاني: استغنى بعلم الله فيها عن كثرة التعداد.
والثالث: أنه اقتصر على اللازم دون العارض.
وقيل: كانت تضيء له بالليل، وتدفع عنه الهوام، وتثمر له إِذا اشتهى الثمار. وفي جنسها قولان:
أحدهما: أنها كات من آس الجنة، قاله ابن عباس.
والثاني: أنها كانت من عوسج.
فإن قيل: المآرب جمع، فكيف قال: {أُخرى} ولم يقل: أُخَر؟ فالجواب: أن المآرب في معنى جماعة، فكأنه قال: جماعة من الحاجات أُخرى، قاله الزجاج.
قوله تعالى: {قال ألقها يا موسى} قال المفسرون: ألقاها، ظنّاً منه أنه قد أُمر برفضها، فسمع حِسّاً فالتفتَ فإذا هي كأعظم ثعبان تمر بالصخرة العظيمة فتبتلعها، فهرب منها.
وفي وجه الفائدة في إِظهار هذه الآية ليلة المخطابة قولان:
أحدهما: لئلا يخاف منها إِذا ألقاها بين يدي فرعون.
والثاني: ليريَه أن الذي أبعثك إِليه دون ما أريتك، فكما ذلَّلْتُ لك الأعظم وهو الحية، أُذلّلُ لكَ الأدنى. ثم إِن الله تعالى أمره بأخذها وهي على حالها حيَّة، فوضع يده عَليها فعادت عصاً، فذلك قوله: {سنُعيدها سيرتها الأولى} قال الفراء: طريقتها، يقول: تردُّها عصى كما كانت. قال الزجاج: و{سيرتها} منصوبة على إِسقاط الخافض وإِفضاء الفعل إِليها، المعنى: سنُعيدها إِلى سيرتها.
فإن قيل: إِنما كانت العصا واحدة، وكان إِلقاؤها مَرَّة، فما وجه اختلاف الأخبار عنها، فإنه يقول في [الأعراف: 107]: {فإذا هي ثُعبان مُبِين}، وهاهنا: {حية}، وفي مكان آخر: {كأنها جانّ} [النمل: 20]، والجانّ ليست بالعظيمة، والثعبان أعظم الحيات؟
فالجواب: أن صفتها بالجان عبارة عن ابتداء حالها، وبالثعبان إِخبار عن انتهاء حالها، والحيّة اسم يقع على الصغير والكبير والذكر والأنثى. وقال الزجاج: خَلْقُها خَلْق الثعبان العظيم، واهتزازها وحركتها وخِفَّتها كاهتزاز الجانِّ وخِفَّته.
قوله تعالى: {واضمم يدكَ إِلى جناحكَ} قال الفراء: الجناح من أسفل العَضُد إِلى الإِبط.
وقال أبو عبيدة: الجناح ناحية الجَنْب، وأنشد:
أَضُمُّهُ للصَّدْر والجَنَاحِ ***
قوله تعالى: {تَخْرُجْ بيضاءَ من غير سوءٍ} أي: من غير بَرَص {آيةً أُخرى} أي: دلالة على صدقك سوى العصا. قال الزجاج: ونصب {آيةً} على معنى: آتيناك آية، أو نؤتيك آية.
قوله تعالى: {لنريك من آياتنا الكبرى}. إِن قيل: لِمَ لم يقل: الكُبَر؟ فعنه ثلاثة أجوبة.
أحدها: أنه كقوله: {مآرب أخرى} وقد شرحناه، هذا قول الفراء.
والثاني: أن فيه إِضماراً تقديره: لنريك من آياتنا الآية الكبرى. وقال أبو عبيدة: فيه تقديم وتأخير، تقديره: لنريك الكبرى من آياتنا.
والثالث: إِنما كان ذلك لوفاق رأس الآي، حكى القولين الثعلبي.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7